فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات}.
نزلت في النضر بن الحارث وأصحابه، كان فقراء الصحابة في خشونة عيش ورثاثة سربال والمشركون يدهنون رؤوسهم ويرجلون شعورهم ويلبسون الحرير وفاخر الملابس، فقالوا للمؤمنين: {أي الفريقين خير مقامًا} أي منزلًا وسكنًا {وأحسن نديًا} ولما أقام الحجة على منكري البعث وأتبعه بما يكون يوم القيامة أخبر عنهم أنهم عارضوا تلك الحجة الدامغة بحسن شارتهم في الدنيا، وذلك عندهم يدل على كرامتهم على الله.
وقرأ أبو حيوة والأعرج وابن محيصن يتلي بالياء والجمهور بالتاء من فوق كان المؤمن يتلو على الكافر القرآن وينوه بآيات النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقول الكافر: إنما يحسن الله لأحب الخلق إليه وينعم على أهل الحق، ونحن قد أنعم علينا دونكم فنحن أغنياء وأنتم فقراء، ونحن أحسن مجلسًا وأجمل شارة.
ومعنى {بينات} مرتلات الألفاظ ملخصات المعاني أو ظاهرات الإعجاز أو حججًا وبراهين. و{بينات} حال مؤكدة لأن آياته تعالى لا تكون إلاّ بهذا الوصف دائمًا. وقرأ الجمهور: {مقامًا} بفتح الميم. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد والجعفي وأبو حاتم عن أبي عمر وبضم الميم واحتمل الفتح والضم أن يكون مصدرًا أو موضع قيام أو إقامة، وانتصابه على التمييز.
ثم ذكر تعالى كثرة ما أهلك من القرون ممن كان أحسن حالًا منهم في الدنيا تنبيها على أنه تعالى يهلكهم ويستأصل شأفتهم كما فعل بغيرهم واتعاظًا لهم إن كانوا ممن يتعظ، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من حسن الأثاث والري، ويعني إهلاك تكذيب لما جاءت به الرسل. و{من قرن} تبيين لكم و{كم} مفعول بأهلكنا. وقال الزمخشري: و{هم أحسن} في محل النصب صفة لكم. ألا ترى أنك لو تركت {هك} لم يكن لك بد من نصب {أحسن} على الوصفية انتهى.
وتابعه أبو البقاء على أن {هم أحسن} صفة لكم، ونص أصحابنا على أن {كم} الاستفهامية والخبرية لا توصف ولا يوصف بها، فعلى هذا يكون {هم أحسن} في موضع الصفة لقرن، وجمع لأن القرن هو مشتمل على أفراد كثيرة فروعي معناه، ولو أفرد الضمير على اللفظ لكان عربيًا فصار كلفظ جميع. قال: {لما جميع لدينا محضرون} وقال: نحن جميع منتصر فوصفه بالجمع وبالمفرد وتقدم تفسير الأثاث في سورة النحل.
وقرأ الجمهور: {ورئيًا} بالهمزة من رؤية العين فعل بمعنى مفعول كالطحن والسقي. وقال ابن عباس: الرئي المنظر. وقال الحسن: معناه صورًا. وقال الزهري وأبو جعفر وشيبة وطلحة في رواية الهمداني وأيواب وابن سعدان وابن ذكوان وقالون وريًا بتشديد الياء من غير همز، فاحتمل أن يكون مهموز الأصل من الرواء والمنظر سهلت همزته بإبدالها ياء ثم أدغمت الياء في الياء، واحتمل أن يكون من الريّ ضد العطش لأن الريان من الماء له من الحسن والنضارة ما يستحب ويستحن، كماله منظر حسن من وجه آخر مما يرى ويقابل. وقرأ أبو بكر في رواية الأعمش عن عاصم وحميد {ورئيًا} بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب ووزنه فلعا، وكأنه من راء. قال الشاعر:
وكل خليل رآني فهو قائل ** من أجل هذا هامة اليوم أو غد

وقرىء {ورياءً} بياء بعدها ألف بعدها همزة، حكاها اليزيدي وأصله ورئاء من المراءاة أي يرى بعضهم بعضًا حسنه. وقرأ ابن عباس، فيما روي عنه طلحة {وريًا} من غير همز ولا تشديد، فتجاسر بعض الناس وقال هي لحن وليس كذلك بل لها توجيه بأن تكون من الرواء، وقلب فصار {ورئيًا} ثم نقلت حركة الهمزة إلى الياء وحذفت، أو بأن تكون من الريّ وحذفت إحدى الياءين تخفيفًا كما حذفت في لاسيما، والمحذوفة الثانية لأنها لام الكلمة لأن النقل إنما حصل للكلمة بانضمامها إلى الأولى فهي أولى بالحذف. وقرأ ابن عباس أيضًا وابن جبير ويزيد البربري والأعسم المكي {وزيًا} بالزاي مشدد الياء وهي البزة الحسنة، والآلات المجتمعة المستحسنة.
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}.
{فليمدد} يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء، وكان المعنى الأضل منا ومنكم مدّ الله له، أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه. وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل، ويحتمل أن يكون خبرًا في المعنى وصورته صورة الأمر، كأنه يقول: من كان ضالًا من الأمم فعادة الله له أنه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة.
وقال الزمخشري: أخرج على لفظ الأمر إيذانًا بوجوب ذلك، وإنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} أو كقوله: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} والظاهر أن {حتى} غاية لقوله: {فليمدد} والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم فيها إلى أن يعاينوا العذاب بنصرة الله المؤمنين أو الساعة ومقدماتها.
وقال الزمخشري: في هذه الآية وجهان أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما أي قالوا {أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا} {حتى إذا رأوا ما يوعدون} أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين {إما العذاب} في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم، وتعذيبهم إياهم قتلًا وأسرًا، وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه، وأنهم {شر مكانًا وأضعف جندًا} لا {خير مقامًا وأحسن نديًا} وأن المؤمنين على خلاف صفتهم.
انتهى هذا الوجه وهو في غاية البعد لطول الفصل بين قوله قالوا: {أي الفريقين} وبين الغاية وفيه الفصل بجملتي اعتراض ولا يجيز ذلك أبو علي.
قال الزمخشري: والثاني أن يتصل بما يليها فذكر نحوًا مما قدمناه، وقابل قولهم خير مكانًا بقوله: {شر مكانًا} وقوله: {وأحسن نديًا} بقوله: {وأضعف جندًا} لأن الندي هو المجلس الجامع لوجوه القوم والأعوان، والأنصار والجند هم الأعوان، والأنصار و{إما العذاب وإما الساعة} بدل من ما المفعولة برأوا.
و{من} موصولة مفعولة بقوله: {فسيعلمون} وتعدى إلى واحد واستفهامية، والفعل قبلها معلق والجملة في موضع نصب.
ولما ذكر إمداد الضال في ضلالته وارتباكه في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذلك بزيادة هدى للمهتدي وبذكر {الباقيات} التي هي بدل من تنعمهم في الدنيا الذي يضمحل ولا يثبت.
و{مردًا} معناه مرجعًا وتقدم تفسير {الباقيات الصالحات} في الكهف.
وقال الزمخشري: {يزيد} معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مدًا ويمد له الرحمن {ويزيد} أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه انتهى.
ولا يصح أن يكون {ويزيد} معطوفًا على موضع {فليمدد} سواء كان دعاء أم خبرًا بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت {من} موصولة أو في موضع الجواب إن كانت {من} شرطية، وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ أو جملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على الخبر خبر، والمعطوف على جملة الجزاء جزاء، وإذا كانت أداة الشرط اسمًا لا ظرفًا تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره أو ما يقول مقامه، وكذا في الجملة المعطوفة عليها.
وقال الزمخشري: هي {خير} {ثوابًا} من مفاخرات الكفار {وخير مردًا} أي وخير مرجعًا وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد وهل يرد مكاني زيدًا.
فإن قلت: كيف قيل خير ثوابًا كان لمفاخراتهم ثوابًا حتى يجعل ثواب الصالحات خيرًا منه؟ قلت: كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم. وقوله:
شجعاء جربها الذميل تلوكه ** أصلًا إذا راح المطي غراثًا

وقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع

ثم بنى عليه خير ثوابًا وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار.
فإن قلت: فما وجه التفضيل في الخبر كان لمفاخرهم شركاء فيه؟ قلت: هذا من وجيز كلامهم يقولون: الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ}.
الآية إلى آخرها حكايةٌ لما قالوا عند سماعِ الآياتِ الناعية عليهم فظاعةَ حالِهم ووخامةَ مآلِهم، أي وإذا تتلى على المشركين {ءاياتنا} التي من جملتها هاتيك الآياتُ الناطقةُ بحسن حالِ المؤمنين وسوءِ حال الكفرةِ وقوله تعالى: {بينات} أي مِرتّلاتِ الألفاظ مبيَّناتِ المعاني بنفسها أو ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام أو بيِّناتِ الإعجاز، حالٌ مؤكدةٌ من آياتنا {قَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قالوا، ووضعُ الموصولِ موضعَ الضمير للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يتلى عليهم رادّين له، أو قال الذين مرَدوا منهم على الكفر ومرَنوا على العتوّ والعِناد وهم النضْرُ بنُ الحارثِ وأتباعُه الفجرةُ واللام في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} للتبليغ كما في مثل قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ} وقيل: لامُ الأجْل كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي قالوا لأجلهم وفي حقهم، والأولُ هو الأولى لأن قَبولَهم ليس في حق المؤمنين فقط كما ينطِق به قوله تعالى: {أَىُّ الفريقين} أيُّ المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا: أينا {خَيْرٌ} نحن أو أنتم {مَقَامًا} أي مكانًا، وقرئ بضم الميم أي موضِعَ إقامةٍ ومنزلٍ {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلِسًا ومجتمَعًا. يروى أنهم كانوا يرجّلون شعورَهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزينة الفاخرةِ ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين، يريدون بذلك أن خيريّتَهم حالًا وأحسنيّتَهم مآلًا مما لا يقبل الإنكارَ وأن ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزُلْفاهم عنده، إذ هو العيارُ على الفضل والنقصانِ والرفعة والضَّعة وأن من ضرورته هوانَ المؤمنين عليه تعالى لقصور حظِّهم العاجلِ، وما هذا القياسُ العقيمُ والرأيُ السقيم إلا لكونهم جهَلةً لا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا وذلك مبلغُهم من العلم.
فرُدَّ عليهم ذلك من جهته تعالى بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} أي كثيرًا من القرون التي كانت أفضلَ منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم من الأمم العاتيةِ قبل هؤلاء أهلكناهم بفنون العذاب، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى، كأنه قيل: فلينتظِرْ هؤلاءِ أيضًا مثلَ ذلك (فكم) مفعولُ أهلكنا و(من قرن) بيانٌ لإبهامها، وأهلُ كل عصرٍ قَرنٌ لمن بعدهم لأنهم يتقدّمونهم، مأخوذٌ من قَرْن الدابة وهو مقدّمها وقوله تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} في حيز النصبِ على أنه صفةٌ لِكم وأثاثًا تمييزُ النسبة وهو متاعُ البيت، وقيل: هو ما جدّ منه، والخُرْثيُّ ما لُبس منه ورثّ والرِئْيُ المنظرُ، فِعْلٌ من الرؤية لما يُرَى، كالطِّحْن لما يُطحَن، وقرئ {رِيًّا} على قلب الهمزة ياءً وإدغامِها أو على أنه من الرِّيّ وهو النعمةُ والتُّرفةُ، وقرئ {ريئًا} على القلب ورِيَا بحذف الهمزة وزَيا بالزاي المعجمة من الزَّيّ وهو الجمعُ فإنه عبارةٌ عن المحاسن المجموعة.
{قُلْ مَن كَانَ في الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} لما بيّن عاقبةَ أمرِ الأمم المهلَكة مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظِ العاجلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب هؤلاء المفتخِرين بما لهم من الحظوظ ببيان مآلِ أمر الفريقين، إما على وجه كليَ متناولٍ لهم ولغيرهم من المنهمكين في اللَّذة الفانية المبتهجين بها على أن مَن على عمومها، وإما على وجه خاصَ بهم على أنهم عبارةٌ عنهم ووصفُهم بالتمكن لذمهم والإشعارِ بعلة الحُكم، أي مَنْ كان مستقرًا في الضلالة مغمورًا بالجهل والغَفلةِ عن عواقب الأمورِ فليمدُد له الرحمن أي يمُدّ له ويُمهِله بطول العمُرِ وإعطاءِ المال والتمكينِ من التصرفات، وإخراجُه على صيغة الأمر للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحِكمة لقطع المعاذير كما ينبىء عنه قوله عز وجل: {أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} أو للاستدراج كما ينطق به قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًَا} وقيل: المرادُ به الدعاءُ بالمد والتنفيس، واعتبارُ الاستقرارِ في الضلال لما أن المد لا يكون إلا للمُصِرّين عليها إذ رُبّ ضالَ يهديه الله عز وجل، والتعرضُ لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية، وقوله تعالى: {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} غايةٌ للمدّ الممتدِّ لا لقول المفتخِرين كما قيل، إذ ليس فيه امتدادٌ بحسب الذات وهو ظاهرٌ ولا استمرارٌ بحسب التكرار لوقوعه في حيّز جوابِ إذا، وجمعُ الضمير في الفعلين باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفرادَ في الضميرين الأولين باعتبار لفظِها وقوله تعالى: {إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة} تفصيلٌ للموعود بدلٌ منه على سبيل البدل فإنه إما العذابُ الدنيويُّ بغلَبة المسلمين واستيلائِهم عليهم وتعذيبهم إياهم قتلًا وأسْرًا، وإما يومُ القيامة وما لهم فيه من الخزي والنَّكالُ على منع الخلوّ دون منع الجمعِ، فإن العذابَ الأخرويَّ لا ينفك عنهم بحال وقوله تعالى: {فَسَيَعْلَمُونَ} جوابُ الشرط والجملةُ محكيةٌ بعد حتى، أي حتى إذا عاينوا ما يوعَدون من العذاب الدنيويِّ أو الأخرويِّ فقط فسيعلمون حينئذ {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا} من الفريقين بأن يشاهدوا الأمرَ على عكس ما كانوا يقدّرونه فيعلمون أنهم شرٌ مكانًا لا خيرٌ مقامًا {وَأَضْعَفُ جُندًا} أي فئةً وأنصارًا لا أحسنُ ندِيًا كما كانوا يدّعونه، وليس المرادُ أن له ثمّةَ جندًا ضعفاءَ كلا {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} وإنما ذُكر ذلك ردًا لما كانوا يزعمون أن لهم أعوانًا من الأعيان وأنصارًا من الأخيار ويفتخرون بذلك في الأندية والمحافل.
{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى}.
كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان حال المهتدين إثرَ بيانِ حال الضالين، وقيل: عطفٌ على فليمدُدْ لأنه في معنى الخبر حسبما عرفته كأنه قيل: مَن كان في الضلالة يمُده الله ويزيد المهتدين هدايةً كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} وقيل: عطفٌ على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهالَ الكافر وتمتيعَه بالحياة ليس لفضله عقّب ذلك ببيان أن قصورَ حظّ المؤمنِ منها ليس لنقصه، بل لأنه تعالى أراد به ما هو خيرٌ من ذلك وقوله تعالى: {والباقيات الصالحات خَيْرٌ} على تقديرَي الاستئنافِ والعطف كلامٌ مستأنفٌ وارد من جهته تعالى لبيان فضل أعمالِ المهتدين غيرُ داخل في حيز الكلام الملقّن لقوله تعالى: {عِندَ رَبّكَ} أي الطاعات التي تبقى فوائدُها وتدوم عوائدُها ومن جملتها ما قيل من الصلوات الخمس، وما قيل من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خيرٌ عند الله تعالى، والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره لتشريفه عليه السلام {ثَوَابًا} أي عائدةً مما يَتمتّع به الكفرةُ من النعم المُخدَجةِ الفانية التي يفتخرون بها لاسيما ومآلُها النعيمُ المقيمُ، ومآلُ هذه الحسرةِ السرمدية والعذاب الأليم كما أشير إليه بقوله تعالى: {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} أي مرِجعًا وعاقبةً، وتكريرُ الخيرِ لمزيد الاعتناءِ ببيان الخيريةِ وتأكيدٌ لها وفي التفصيل مع أن ما للكفرة بمعزل من أن يكون له خيريّةٌ في العاقبة تهكّمٌ بهم. اهـ.